كتاب الحكيم



       استهل بروفيسور عبد الله على إبراهيم هذا الكتاب بكلمة أسماها (المرض، علاجاً وثقافة) تعرض فيها لمحاولة الكتاب في أن يحرر المنهج الطبي بتعريض ناشئة الأطباء لمعارف ونظم أخرى للطب غير التي ألفوها ولشيء من تراثهم الثقافي العريض، فالكتاب في تقديره محاولة لرد البركة إلى المثقف الذي تشرد في الآفاق، وأنه مبحث يخلق في طلاب العلوم الطبية وعياً مبتكراً بالمرض كثقافة لا مجرد سقطات صحية.

تحدث (التصدير) عن المنطلقات الفكرية التي قام عليها الكتاب وكيف بدأت فكرته حين لاحظ المؤلف أن المنشور عن التراث الطبي وتاريخ الطب في السودان قليل، وكيف تبلورت هذه الفكرة ونمت وكيف استمرت جهود جمع مادته خلال أربعة عقود أو يزيد. أوضح أن غايته هي أن يساعد في خلق جسر بين الطب البيولوجي وبين العلوم الإنسانية في السودان، فالأدب والفن والفلسفة والتاريخ والاجتماع والتصوف وغيرها من العلوم الإنسانية في رأيه روافد ومفاتيح لفهم النفس البشرية، ومصادر المعرفة وعلومها متشابكة ومترابطة، ولا يمكن فهم علم ما بمعزل عن باقي العلوم. ولتحقيق هذه الغاية، قدم الكتاب مادة متنوعة لصيقة بالطب لتساعد الأطباء في أن يكونوا أعمق فهماً لمهنتهم ولثقافات مجتمعاتهم وأكثر وعياً ببيئتهم وأحوال أهلهم، ودعاهم إلى أن يعددوا وينوعوا من معارفهم ليتوصلوا لحقيقة الصحة والمرض.
لفائدة طلاب العلوم الإنسانية الذين يدرسون الأنثروبولوجيا الطبية وعلوم الاجتماع والفولكلور الطبي، قد مادة علَّها تنير لهم بعض الدروب المشتركة بين هذه المعارف المختلفة وتساعدهم على إجراء دراسات وأبحاث أكثر عمقاً وفائدة، واستهدف أيضاً العاملين في السلك القضائي والإعلام ليساعدهم ما أمكن في أن يكونوا أكثر فهماً لهذه المهنة. ولجميع مقدمي الخدمات الطبية طرح رؤى جديدة هدف من ورائها إلى أن تفتح لهم آفاقاً يتأملوا من خلالها ثراء تراثهم ويستخلصوا منها ما يمكن أن يستخلص من معرفة وكيف تفيدهم هذه المعرفة في تدبير حال الصحة والمرض.
بالتالي، دعا المؤسسة الطبية لأن تفتح أبوابها على العلوم الإنسانية – السلوكية والتطبيقية - التي تعنى بدراسة الإنسان في بيئته ومجتمعه في الصحة وأثناء المرض وذلك بغرض تأهيل الطبيب اجتماعياً ليرتقي بمستوى معرفته ومهاراته وبمستوى تعامله مع مرضاه حتى يتمكن من أن يتعرف على حاجاتهم الصحية ويواجهها بكفاءة. ولفت النظر إلى أهمية دراسة الأنثروبولوجيا الطبية على وجه الخصوص، وهمس في آذان الجامعات السودانية طالباً منها أن تولي هذا العلم ما يستحقه من اهتمام وأن تستحدث كرسياً لدراساته، وهو طلب قدمه الكاتب قبل ثلاثين عاماً وما زال يرجو أن يستمع إليه أحد.
نبه الكتاب في هذا الفصل أيضاً لأهمية الاستفادة من أنموذج القرية العلاجية وإلى ضرورة دمج الخبرة الطبية الشعبية في منظومة الرعاية الصحية الأولية، وفصل هذه الدعوة. فقد بُني مفهوم هذه (القرية) على دراسات ميدانية وتحليل دقيق لمعتقدات السودانيين وممارساتهم وإمكاناتهم العلاجية الشعبية التي أكدت أن الاستفادة من تلك الثروة ممكنة، وأن التعاون مع (الفقرا) وغيرهم من المعالجين الشعبيين باعتبارهم معاونين صحيين مفيد، وأنه في إمكان المهنة أن تستغل الخبرة الشعبية وما توفره بيئة القرية من روابط أسرية وقبلية واجتماعية حميمة، وتوظف تلك الخبرة وتلك الروابط الحميمة في رعاية صحة الناس في تناغم مع الطب الرسمي دون أن تقلل بذلك من مستوى الممارسة الطبية الجيدة.
طرح الكتاب في هذا الفصل أيضاً تفاصيل (مشروع ثلاثية الصحة في السودان)، الذي استعرض تاريخ المتاحف الطبية السودانية التي سادت ثم بادت، واقترح إنشاء (متحف السودان للطب والصحة) كمشروع قومي يحفظ الثقافة الطبية المادية ويتيحها للناس. ولأن الأطباء يحتاجون لأن يتعرفوا على معالم تطور مسيرة المؤسسة الطبية وعلى رواد كل تخصص وخدمة، وعلى حيوات الرواد وأعمالهم، ثم طرح فكرة إعداد (ببليوجرافيا الدراسات الطبية السودانية في القرن العشرين) وإنشاء (موسوعة الأطباء السودانيين) وكيف أن المؤلف استهل هذه السلسلة بتوثيق لحياة وأعمال بروفيسور عبد الحميد إبراهيم سليمان ليؤكد بذلك أن الطب ليس حكراً على الأطباء.
تعرض الكتاب في (المقدمة) إلى شرح أنواع ونظم الطب المختلفة (الطب البيولوجي، والشعبي، والبديل، والتكميلي، والإيماني، والنبوي، والشمولي)، وعرف كل واحد من هذه الأنواع، فالطب البيولوجي هو نظام ينظر للمرض كظاهرة كيميائية حيوية يمكن تشخيصها وعلاجها بواسطة وسائل تقنية اختبرت علمياً، والطب الشمولي في نظر دعاته نظام من نظم الرعاية الصحية يركز على تعزيز علاقات التعاون والتفاعل بين كل مكونات الإنسان الحي الجسدية والعقلية والعاطفية والاجتماعية والروحية، ويؤكد أهمية النظر للإنسان والتعامل معه ككل آخذاً في الاعتبار كل ما يتصل بحياته، وينظر لصحته وللعوامل التي تؤثر عليها نظرة متكاملة سواء كان ذلك على مستوى المجتمع الذي يعيش فيه أو البيئة المحيطة به. أما الطب الشعبي فهو مجموع كل الممارسات والمعارف الطبية التي أمكن أو لم يمكن تفسيرها التي تستخدم في التشخيص وفي الوقاية والتخلص من اختلال التوازن البدني والعقلي والاجتماعي، ويعتمد أولاً وأخيراً على الملاحظة والخبرة المتوارثة عبر الأجيال شفاهة أو كتابة. أما الطب البديل فهو مجموعة مختلفة من النظم نتج كل نظام منها عن اجتهادات فرد بعينه من خلال تجاربه الشخصية في الحياة. ساعد الطب الشعبي والطب البديل في سد بعض النواقص في الطب البيولوجي في أغلب بلدان العالم، وساهم النظامان ببعض الوصفات التي أكد العلم فاعليتها ومأمونيتها، وبالتالي أضيفت لقائمة أدوية الطب الرسمي فعرفت هذه الأدوية بالطب التكميلي. أما العلاج الإيماني فقد قام في السودان على معتقدات لها جذورها في الديانات السماوية وفي فهم الناس للحياة وللقوى العليا التي تقف وراء أحداثها. أما الطب النبوي فقد أثر كثيراً على الطب الشعبي السوداني، وكانت كتبه (الذهبي وابن القيم وغيرهما) أهم مصادر معرفة (الفقرا) في السودان.
سرد الفصل الأول: (صحة السودان عبر القرون)، مسيرة صحة السودان منذ أقدم العصور. فوصف حال الصحة في السودان القديم معتمداً على ما وفره المنقبون وعلماء الآثار من أدلة، ثم وصف أحوال الصحة والمرض في القرن الثامن عشر من خلال ما وفره الرحالة والمستكشفين والمؤرخين والجغرافيين من ملاحظات دونوها في مذكراتهم حين زاروا السودان آنذاك، وما دونه كاتب الشونة في مخطوطته وود ضيف الله في (كتاب الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان) الذي ترجم فيه لحوالي مائتين وسبعين علماً عاشوا في عصر مملكة الفونج.
. تأثرت صحة السودان في القرن التاسع عشر بحكم التركية الأولى، بالتالي، وصف الكتاب بذور الطب الغربي الحديث التي بثها محمد علىي باشا في السودان ومصر، وعن الأدوار التاريخية التي لعبها كلوت بك مؤسس مدرسة طب أبو زعبل (قصر العيني لاحقاً) في القاهرة في سنة 1827، وأحمد يوسف بن الحسين الههياوي جد آل الحكيم الذي كان من أوائل خريجي تلك المدرسة ومؤسس أول المستشفيات في بربر ودنقلا، ومحمد بن عمر التونسي الذي وصف عادات أهل دارفور وممارساتهم والأمراض التي انتشرت في الإقليم آنذاك وبين طرق علاجها ووصف مأكولات الناس وحيوانات الإقليم ونباتاته، ثم وصف صحة البلاد في نهاية العهد التركي وبداية المهدية، وراجع أعمال نعوم شقير التي وثقت لتلك الفترة. واصل الكتاب وصفه لأحوال السودان الصحية في النصف الأول من القرن العشرين، وعدد الأدوار التي قام بها أحمد محمد هاشم بغدادي في حياته وما تركه بعد وفاته من أوقاف ليستفيد من ريعها طلاب مدرسة كتشنر الطبية.
أشاد بدور هنري سولومون ولكم الذي أهدى معامل طبية مكتملة للسودان في سنة 1902، ووصف الأدوار المشهودة التي ساهمت بها تلك المعامل في إرساء دعائم البحوث والخدمات الطبية في السودان، وذكر طرفاً من سيرة سير أندرو بلفور ودوره في إدارة تلك المعامل، خصوصاً دوره كأول مسئول عن (صحة الخرطوم) في العقد الأول من القرن العشرين. نوه باكتشاف دكتور جاك كرستوفرسون لعلاج مرض البلهارسيا في مستشفى الخرطوم في سنة 1919، ثم تحدث عن قيام مدرسة كتشنر الطبية في سنة 1924 كأول مدرسة طبية في البلاد، وعن قيام معامل استاك في سنة 1927. وخص بالذكر عوض الكريم محمد هندي الصائغ بام درمان وكتابه الموسوم (مختارات الصائغ) الذي كان مقروءاً ومحبوباً في خمسينيات القرن المنصرم، وعرفته البيوت السودانية لدرجة أن وصفه دكتور التجاني الماحي بإبشيهي السودان مشبهاً إياه بالإبشيهي مؤلف كتاب (المستطرف في كل فن مستظرف).
ناقش الفصل الثاني: (العقد بين الطبيب والمريض والمجتمع)، العقد المبرم ضمناً بين الطبيب والمجتمع والدولة، وأكد المسئوليات المنوطة بكل طرف. وتحدث عن أخلاقيات المهنة وأخلاق الأطباء، وأورد نصي قسم ابقراط المعدل الذي يحلف به أطباء السودان وابتهالات موسى ابن ميمون التي تؤكد دور الأدب الشعبي ورفده لأخلاقيات حفظ الصحة عبر القرون. وتحدث بالفتصيل عن مهارات الحكي وآداب الاستماع وفنون ومهارات التواصل التي طلبت المهنة من الأطباء إجادتها والعمل بها.
في الفصل الثالث: (مفاهيم الصحة والمرض)، عرف الطب لغة واصطلاحاً في ذهن العامة، ومفاهيم المرض، وفرق بين العلة والمرض، وشرح نظريات المرض القديمة خصوصاً نظرية الأخلاط الأربعة التي سادت العالم القديم، وكيف تسربت هذه النظرية للسودان، وكيف انتشرت وأثرت في الممارسات الطبية الشعبية وفي لغة الناس. عرف الطقس بأنه مجموعة حركات أو أفعال متكررة يتفق عليها أفراد المجتمع، ولا تحمل منفعة واضحة لكنها تحمل قيماً ومعاني مبطنة عديدة. فالمعطف الذي يلبسه الطبيب والذي يلبسه الجزار متشابهان في الشكل واللون مختلفان في المعنى والدلالة. تمارس الطقوس بواسطة رموز تشمل الملابس والأصوات والأشكال والكلمات والإيماءات والحركات الجسدية زيادة على الروائح والألوان والبخور والسوائل مثل الماء واللبن والدم، والتي تعبر عن قيم المجتمع ومعتقداته وأعرافه إذ يمثل كل رمز منها مستودعاً من المعارف الشعبية لا يعرفه ولا يفهمه إلا أفراد المجتمع الذي جاءت فيه، فهم وحدهم القادرون على فك شفرته وفهم معانيه ورصد تداعياته.
جاء في الفصل الرابع: (أسباب المرض والإصابة)، أن الإنسان السوداني لم يفهم العالم من حوله فهماً تاماً، فرأى الأشياء من حوله تجري والأحداث تصيب بالخير والشر، وتعطي الصحة وتعطي المرض، ولا يستطيع تفسيرها ولا يمكنه السيطرة عليها إلا إذا استعان بقوى خفية تتوسط بين عالمه الذي يعيش فيه وبين عالم الغيب. فاستغاث بالآلهة لرفع الضر عنه ودعاها طالباً بركتها، واستمال الملائكة والجن لحمايته والشياطين للإضرار بغيره. بالتالي، قامت ممارساته على معتقدات غيبية أصاب في بعضها وأخطأ في كثير. وتحدث عن المرض الذي ينتج بسبب عوامل البيئة وظواهر الطبيعة وما يعزى لعادات الناس، ولغرائب الخلق مثل ولادة التوائم والمشوهين، ولما يمكن أن تسببه الجن والشياطين وأم الصبيان وأمراض الريح الأسود والأحمر والأصفر وأرواح (الطُمْبُرة).
عرف بعض الأحوال الصوفية وحالات الاستغراق والوجد والجذب والنشوة وما شابهها من أحوال تدرك النفس في الخلوة أو في حلقات الذكر أو الزار وأن هذه الأحول أثرت على صحة الناس. وصف (فجة الموت) وأحوال المصروعين والمجانين وذوي العاهات وما يمكن أن يقوموا به من (مكاشفات). وفتح بذلك باباً طلب من الباحثين وعلماء النفس أن يلجوه، ويعطوه بعض عنايتهم ويساعدوا بذلك في استجلاء مفاهيم الصحة النفسية والعقلية وتطورها عبر السنين، وود لو أنهم ركزوا في دراسة العلاقات الإنسانية بفرضية أنها وظيفة من وظائف الصحة وأن لها أثرها في التربية وفي رعاية الأسرة والطفل واضطراد العمران. وصف أنواع السحر و(العين الحارة) وكيف يحتاط الناس من شرها بالتعازيم والتعاويذ والبخور و(البخرات). 
تحدث الفصل الخامس: (وسائل تشخيص المرض والإصابة)، وقال أن أسباب المرض والإصابة في الذهن الشعبي لا علاقة لها بالأشياء الملموسة أو المحسوسة أو بالجراثيم وكذلك وسائل التشخيص التي اعتمدت زيادة على ما هو واضح وهين وسهل التشخيص على التنبؤ بالغيب (خت الودع، وخط الرمل، وفتح العلبة، والرؤى الصادقة في الصحو والمنام، و(المكاشفة)، و(الخَيْرة) والاستخارة، وتفسير الأحلام،... الخ). وتحدث عن بعض العلوم الغيبية التي عرفها بعض (الفقرا) واستخدموها في التشخيص والعلاج، وتعرض للتنجيم ودوره في الحياة السودانية، ونوه بالفقيه السوداني حسن سالة الذي نبغ في علوم الفلك و(الزايرجة) و(الحرف) و(الأسماء) و(الجفر الأكبر والأصغر) و(الرمل) و(الوفق المئيني)، وأشار إلى مخطوطاته المحفوظة في دار الوثائق القومية وهي (مبارز النفحات ودلائل الأوقات في علم الفلك) و(منبأ الإشارة بعلم الإثارة) و(الجوهر التكويني في الوفق المئيني) وأهميتها في دراسة بعض الأساليب الشعبية في التشخيص والعلاج. ذكر شيئاً عن حركة الحيوان والطير ودلالاتها في التنبؤ بمقبل الأحداث، ودور التشاؤم والتفاؤل والطَيْرة في الحياة السودانية وعلاقتها بالصحة والمرض.
حصر الفصل السادس: (المعالجون وطرق العلاج والوقاية)، المعالجين الذين يعنون بصحة الناس في السودان، (الفقرا) و(الفكيا)، والعشابين الذين تخصصوا في بيع النباتات الطبية والعطرية والتوابل وغيرها من المواد العضوية والمعدنية ذات الفوائد الطبية، و(المعراقية) الذين خبروا أسرار عروق النباتات المختلفة واشتغلوا بالترويج لها وباعوها مفترشين الأرض في الأسواق، والدايات اللائي يولدن النساء، وجراحي العيون (الشَلَّاقة)، والحلاقين الذين يختنون الأولاد ويجرون بعض الجراحة ويقومون زيادة على ذلك بالحجامة والفصادة، والسحرة و(الكَجَرَة) والأطباء السحرة، وشيخات (الزار)، والعرافين، ومفسري الأحلام، والمنجمين، الذين يتنبؤون بالمستقبل ويقومون بتشخيص الأمراض، والعرافات مثل (الوداعية) التي برعت في تفسير أشكال الودع، و(الرمَّالي) الذي يستطلع الغيب بالخط على الرمال، وربات البيوت اللائي يرعين صحة الأسرة في كل بيت.
تحدث عن كرامات الأولياء والبركة و(اليد اللاحقة) والدعاء بالاسم الأعظم، والشفاعة ووظائف الأضرحة والقباب والخلاوي و(المسايد)، ووصف طرق العلاج الدينية السحرية مثل (التسعيط) و(العزيمة) واللمس باليد، والرقية، و(البخرة)، و(المحاية). ووصف الحروز والتمائم و(الحراسات) و(الحجبات). وتحدث عن بعض أنواع السحر وذكر أن أطباء النفس قد وجدوا فيه أفكاراً ساعدتهم في تشخيص المرض وفي العلاج، وأن (النماذج الشبحية) في السحر و(الزار) قد ساعدتهم في علاج مرضاهم، وأنهم تأكدوا من صلاحية هذه الوسيلة بعد أن وضعوها موضع الاختبار الكامل، ووصف بعض أنواع الممارسات السحرية مثل العقدة و(العارض) و(السبر) و(الساجور) و(الحُوَاطة).
وصف الفصل السابع: (العلاجات والممارسات الشعبية)، أنواع الجراحة الشعبية السائدة في السودان ومنها تطبيب وخياطة الجروح، وخلع الأسنان، و(التشليق)، والوسم، والوشم، والشلوخ، وقطع (الريشة)، والفصادة، والحجامة، والكي، وختان الأولاد وخفض البنات، و(العَدَل) والتوليد، و(التسهيم)، وثقب قحف الجمجمة، وتجبير الكسور، و(التطويش). ذكر أن السودانيين لم يعرفوا التخدير ولم يعرفوا من مزيلات الألم إلا الصبر وقوة التحمل. تعرض لمخاطر بعض هذه الممارسات على صحة الناس، ووصف ما تعلق بالوَحَم والحمل والولادة والتسنين والتَحْنيك من عادات وطقوس، ووصف الأطعمة والأشربة والأدوية الشعبية النباتية والمعدنية والحيوانية، ونباتات وثعابين وعقارب السودان السامة وأثبت أسماءها العامية والإنجليزية والعلمية. تحدث عن أوبئة السودان والطرق الشعبية التي ابتدعها الناس للوقاية منها وعلاجها، وبعن بعض الأمراض المتوطنة وكيف فهمها الناس وكيف عالجوها، وكيف عالجوا الحميات والقحة والإسهال والألم بحكم أنها أمراض وما هي كذلك.
في الفصل الثامن: (حصاد السنين)، أكمل الكتاب مسيرة السودانيين في رعاية صحتهم فراجع حصاد النصف الثاني من القرن العشرين، وقيم تجربة السودان في سياسة الصحة من واقع آخر المعلومات الموثوقة ومن منظور جيل عاصر هذه الخدمة وشارك فيها في العقود الخمسة الأخيرة. خلص إلى أن الوضع الصحي والطبي الراهن في البلاد عامة مترد في عمومه، وأن الدولة قصرت في حق المواطنين فلم توفر لهم الخدمات الطبية المناسبة في أماكن سكنهم وعملهم، في حلهم وترحالهم، وعجزت عن أن توفر في موازنتها العامة المال الذي يمكنها من تقديم الخدمات الطبية اللازمة لكل الناس. راجع أغلب الإحصاءات التي من شأنها أن تلقي ضوءاً على هذا الواقع، وناقش مسائل الموراد البشرية والمعلومات الطبية، والتعليم الطبي بأنواعه، والبحوث الطبية، والتدريب، وسياسة الإنفاق على الصحة ودور التأمين الصحي، ومسألة الديون الثقيلة التي ينوء بحملها السودان وتمثل حاجزاً سميكاً بينه وبين تحقيق أي واحد من أهداف الألفية التنموية، وسياسات الخدمات العلاجية والوقائية، ومساهمات القطاع الخاص في رفد قطاع الصحة، وسوق الدواء، وحال التشريعات والسياسات والخطط الصحية والصيدلانية مآلاتها، وشئون الأطباء النقابية والاجتماعية وتطور نقابة أطباء السودان والجمعية الطبية السودانية، ودور الأجهزة الرقابية في تعزيز نشاطات المهنة.
تعرض الفصل التاسع: (الأفعال الطبية الضارة والطبابة الرشيدة)، لأنواع المخاطر والأفعال الضارة وأسبابها وطرق تلافيها، وقال إنها في حقيقتها مؤشرات وأوجه مختلفة لقصور النظام الطبي، وإن وتيرتها ستتصاعد متى ما استمرت الخدمات الطبية في التدهور، والعكس بالعكس، وإنه لا يمكن الحيلولة دون وقوعها أو التقليل من نسبة ذلك إلا بنهج صارم يؤمن الجودة الشاملة في كل مستويات الخدمات الطبية في البلاد، وفق خطوات عملية تُعْلي من قيمة هذا النهج في كل المؤسسات وبين كل الناس ودعا لتبني نظام الطبابة الرشيدة وطرح أهم معالمه.
ذيلت الكتاب عدة ملاحق: قائمة أبجد وأيقش (ملحق 1)، وأسماء الشهور السودانية وما يقابلها من الشهور الهجرية (ملحق 2)، ومعجم العامية الطبية وما يقابلها بالإنجليزية (ملحق 3)، ومعجم أهم النباتات المستعملة في الطب الشعبي السوداني (ملحق 4)، بعض الأدوية الحديثة ذات الأصول النباتية (ملحق 5)، اسماء بعض الأطباء الأجانب الذين عملوا في الخدمات الطبية السودانية أو قاموا بالتدريس في مدرسة كتشنر الطبية أو كلية الطب، جامعة الخرطوم في النصف الأول من القرن العشرين أو بعد ذلك بقليل أو كانوا ضمن الباحثين في معامل ولكم واستاك ليثبت بذلك فضلهم وإن قدموا في معية المستعمرين (ملحق 6)، والقوانين الصحية السارية في السودان (ملحق 7).
أخيراً، حوى الكتاب ملفاً لبعض صور التراث الطبي السوداني التي التقط بعضها قبل أكثر من مائة عام، وأخرى لنخبة من الأطباء والعلماء السودانيين الذين أثروا مسيرة الخدمات الطبية، وفهرس عام للكتاب.

Comments

Popular posts from this blog

آل الحكيم

باتريك دارسي (مؤسس أول كلية صيدلة في السودان)

طه أحمد بعشر(مؤسس خدمات الطب النفسي في السودان)