عبد السلام محمد أحمد جريس (استشاري أمراض النساء والتوليد والأول في كل مرحلة)

تخرج عبد السلام محمد أحمد جريس (1944-) في كلية الطب جامعة الخرطوم في 1968. نال عضوية الكلية الملكية لاختصاصيي أمراض النساء والتوليد في لندن في عام 1974، وفي عام 1979 منح زمالة الكلية البريطانية لاختصاصيي أمراض النساء والتوليد، ونال درجة الدكتوراه السريرية في أمراض النساء والتوليد من جامعة الخرطوم في عام 1980. عمل في مستشفيات الخرطوم بحري التعليمي والخرطوم التعليمي ومستشفيات مدلسكس ورويال فري في بريطانيا. نشر أكثر من 83 ورقة علمية في دوريات محلية وإقليمية وعالمية وأكثر من 25 كتاباً، وترقى أستاذاً بالإنتاج العلمي في 1993.
ظهرت بوادر نبوغ دكتور جريس في كل المراحل الدراسية فكان أول الفصل وأول الدفعة والأول في المرحلة الأولية والمرحلة الوسطى والأول في المرحلة الثانوية، وأول الدفعة في تخرج كلية الطب، حاصداً أغلى جوائزها: جائزة كتشنر كأحسن طالب في الدفعة، وجائزة ولترز في الجراحة وامتياز في أمراض النساء والتوليد.
في مقال في كتاب (عبقرية عبد السلام جريس) الذي حرره الهادي مسكين ونشره في 2014، رصد فيه بروفيسور عمر أحمد ميرغني سيرة جريس وعلاقته به قائلاً:
"تعلمت على يد جريس أبجديات أمراض النساء والتوليد ولا تزال تعاليمه منقوشة في ذاكرتي ولا زلت استعمل ما تعلمته منه في معالجة المرضى وتدريب الطلاب والأطباء، فمن المعروف في التعليم أن المعارف والمهارات والسلوكيات تكتسب وتختزن وتسترجع بسهولة إذا كان المعلم متمكناً من علمه وسخياً في توصيل ذلك العلم لطلابه. في تلك الفترة عرفت بروفيسور جريس الطبيب الحاذق والمهني المسئول والأستاذ القدير والحريص على تعليم الآخرين ولمست فيه الخلق الرفيع وتواضع العلماء."
أن خصال النبل والعظمة تتفاوت بين شخص وآخر وقد تتركز بعض هذه الخصال في شخص واحد، وقد تركزت بالفعل في بروفيسور عبد السلام جريس، فلن نجد في تاريخنا المعاصر مثالاً جسد لنا خصال الشخص العظيم والقدوة الحسنة خيراً منه.
فعندما ابتلاه الله لحكمة يعلمها في عام 1993 بمرض أصاب بعض جسده بالشلل وهو بعد في عنفوان نشاطه، لم يشل ذلك المرض إرادته ولم يوهن عزيمته ولم ينل من نشاطه أو يقلل من عطائه. بل أصبح بفضله مثالاً في تحدي الصعاب ومقاومة الإعاقة والصبر على البلاء، ورمزاً يحتذى به في قوة الإرادة التي تتحدى العجز ولا تركن للاستسلام، ولا تقع فريسة الإحباط. فقد تمكن دكتور عبد السلام جريس رغم هذه الظروف الاستثنائية التي يعيشها من إنجاز ما عجز عنه الأصحاء.
تحدى دكتور جريس المرض وهزم كل نبوءات الأطباء. ورغم أن قدراته البدنية قد تدهورت، فتوقف عن إلقاء المحاضرات بشكل منتظم، وأصبح قعيد كرسي متحرك ويعتمد كلياً على غيره، وخسر ببطء قدرته على الكتابة والكلام ولم يعد يفهمه إلا بناته اللائي تعلمن الرموز التي طورها لمخاطبته، وأصدقاؤه المقربون منه لم يتنازل بسبب إعاقته عن أي نشاط كان يمكن أن يقوم به. فما زال مواصلاً في تدريس ناشئة الأطباء، وما زال مواظباً على البحث العلمي، وما زال مشاركاً في الأفراح والأتراح. وما زال ملتزماً بتطوير المهنة إقليمياً وعالمياً، وما انفك يساند الشباب في إجراء بحوثهم بالإشراف عليها وضبط تحريرها، وهو بهذا يقدم لناشئة الأطباء ما هو أعظم وأبقى: الصبر على المكروه، وعدم الاستسلام للمرض أو الركون للأسى والإحباط، فقدم بذلك نموذجاً حياً عن كيف يمكن أن يتحول الابتلاء لفعل مفيد.

Comments

Popular posts from this blog

آل الحكيم

طه أحمد بعشر(مؤسس خدمات الطب النفسي في السودان)

باتريك دارسي (مؤسس أول كلية صيدلة في السودان)