البالطو الأبيض

تمارس الطقوس بواسطة رموز تشمل الملابس والأصوات والأشكال والكلمات والإيماءات والحركات الجسدية زيادة على الروائح والألوان والبخور والسوائل مثل الماء واللبن والدم. هذه الرموز تعبر عن قيم المجتمع ومعتقداته وأعرافه، ويمثل كل رمز منها مستودعاً من المعارف الشعبية لا يعرفه ولا يفهمه إلا أفراد المجتمع الذي جاءت فيه، فهم وحدهم القادرون على فك شفرته وفهم معانيه ورصد تداعياته. ليس ذلك فحسب، بل إن معنى تلك الرموز لا يكون صحيحاً تماماً إلا في سياق الممارسة التي جاءت فيها.

المعطف الأبيض (المعطف، الأبيض) مثلاً يلبسه الطبيب في المستشفى وآخر يلبسه الصيدلي وفني المختبر والجزار. لكن يختلف كل معطف في كل حالة في معناه وفي تداعياته في خاطر الناس. يلبي أرباب هذه المهن والحرف المعطف لأغراض النظافة وليقي لابسه من الاتساخ والعدوى. لكن العلاقات والتداعيات التي يبثها المعطفان مختلفة، فمعطف الطبيب يحمل بالإضافة لأهميته المادية إشارات عديدة أخرى، فهو يدل على أن لابسه مرخص له بممارسة الطب، وأنه عضو في مهنة تمتاز بالعلمية والموضوعية، وبالتالي محاسب لديها وأنه حفيظ على سمعتها، وأنه مستودع لمعلومات متخصصة لا يحملها إلا هو ورفقاء مهنته، وأنه مسئول عن من هم دونه عمراً وخبرة، وأنه ضامن لسرية مرضاه، وأنه شخص يعتمد عليه ويثق به ويركن إلى قراراته لأنه كفء ومحترم، وأنه ينحو دائماً نحو العناية بمرضاه ورعايتهم وتخفيف معاناتهم وآلامهم. هذا الزخم من المعاني والإشارات والتداعيات التي يحملها معطف الطبيب تجعله لا يمثل شخص لابسه بقدر ما يرمز له كفرد في مهنة ويؤكد مكانته فيها ويعزز دوره كممثل لتلك المهنة.


Comments

Popular posts from this blog

آل الحكيم

باتريك دارسي (مؤسس أول كلية صيدلة في السودان)

طه أحمد بعشر(مؤسس خدمات الطب النفسي في السودان)