البصيرة زينب بت بتي


البصير (جمع بصرا) و(البصارة) كلمتان مشتقتان من البصر وتدلان على عمق النظر والحكمة والخبرة ومهارة اليد. بالتالي، لا تطلق كلمة (البصارة) على خبير تجبير الكسور وحده الذي استأثر بها في السودان، بل على (بصير الساقية) الذي يصلح ما خرب منها، وعلى كل من برع في شيء. تمتع (البصرا) (والبصيرات) بشعبية كبيرة وحظوا بثقة أغلب قطاعات المجتمع، وانتشروا في السودان انتشاراً كبيراً وبصورة قد لا يتوقعها الكثيرون. فقد دلت إحصائية قريبة (2009) أن هناك ما لا يقل عن 20 بصيراً في ثلاثة من محليات ولاية الخرطوم هي أم بدة والثورة والحاج يوسف.[i]
البصارة أكثر أنواع المهارات اليدوية الشعبية شهرة فهي واضحة الأثر للعيان وملموسة النتائج. دلت الآثار على أن السودانيين وسكان وادي النيل الشمالي عرفوا أنواعاً من طرق تجبير الكسور وتخفيف آلامها منذ زمن بعيد.[ii] عرف (البصرا) بالخبرة أن كسور العظام البسيطة يمكن أن تلتئم إذا طببوها بأغصان الأشجار أو بأليافها، فجبروا كسور العظام الطويلة في الأيدي والأرجل بوضع ضمادات بسيطة من أي قماش متاح فوق موضع الكسر، ثم ثبتوا العضو بواسطة جبائر خشبية تعرف بـ (الطاب). يقولون لمن مات له أحد (الله يجبر الك
زينب بت متي
سر). عرفوا أيضاً كيف يردون العظام المخلوعة إلى أماكنها ويعالجون الردخ والفكك والفصل وبعض أدواء العضلات.[1]
اشتهر في تجبير كسور العظام عدد كبير من الرجال والنساء. بيت بتي بأم درمان بيت عريق في تجبير العظام، انتقلت حرفة البصارة بين أفراده بالوراثة واكتسبت بالتلمذة على الكبار. قالت زينب بت بتي أنها تعلمت تجبير العظام بـ (الشوف) أي بالنظر والملاحظة وكانت تؤمن بأن هذه الصنعة (وهبية من الله). فزيادة على زينب وأخوها مصطفى بتي اشتهر في مجال البصارة ود مختار، وشيخ العطايا، وأولاد عجيب، وتيمان ربك، والشيخ أبو دقن، وود أزرق، وحالياً البصيرة بتول في أم درمان التي تقول أنها لم ترث هذه الصنعة ولم تتعلمها من أحد، بل أن شخصاً ما شرح لها في المنام الهيكل العظمي ومفاصل الإنسان وما يصيبها من أمراض وأماكن كيها بالنار، وهي حينذاك لم تتجاوز التاسعة من عمرها.[iii]





[1] جبر الكسر أصلحه، وجبر المريض أو الضعيف، أصلح حاله. والجبيرة هي العيدان ومعها بعض القماش يجبر بها العظام وهي عربية. قال الحطيئة: "هم لاحموني بعد فقر وفاقة كما لاحم العظم الكسير جبائره. وحين يقولون لشيء (وقفت فوقه الجبارة) يقصدون منعت الجبارة إفساده وهلاكه. و(فك الجبارة) هو فساد الحظ والفشل. بتصرف من (عون الشريف قاسم: قاموس العامية في السودان، مادة جبر).




[i] معهد أبحاث الطب الشعبي. دراسة ميدانية لم تنشر.
[ii] Ghalioungui, Paul. Magic and Medical Science in Ancient Egypt. London: Hodder and Stoughton; 1963. Pages 25-26.
[iii] أحمد آدم. حوار مع البصيرة بتول جبارة كسور أهل أم درمان. جريدة الأهرام 30 يوليو 2010.

Comments

Popular posts from this blog

آل الحكيم

باتريك دارسي (مؤسس أول كلية صيدلة في السودان)

طه أحمد بعشر(مؤسس خدمات الطب النفسي في السودان)