في حفظ فضل أثنين من علماء المكتبات


ما جمعني بالراحل البروفيسور عبد الرحمن النصري حمزة (1928-2010)، قليل لكنه مهم، وهو مكتبة التجاني الماحي. وما جمعني ببروفيسور قاسم عثمان نور أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية، فكثير وعميق وممتد ومتصل وهو اهتمامه المتخصص في عالم الكتب والمكتبات وحبي الهاوي لتوثيق المعارف الطبية.
تتلمذت على البروفيسور التجاني الماحي (1911- 1970) رائد الطب النفسي في السودان وإفريقيا وصحبته صحبة لصيقة في السنوات الأربعة الأخيرة قبل وفاته. كان التجاني قارئاً نهماً ومحباً لكل مصادر المعرفة ولذلك امتلك مكتبة شخصية حوت نفائس الكتب والمصنفات والخرط والمخطوطات العربية والإسلامية والسودانية، زيادة على عدد من العاديات والطوابع والخطابات واللوحات النادرة وغيرها من المواد المتفرقة. أهدت أسرة التجاني الماحي تلك المكتبة بعد وفاته إلى جامعة الخرطوم في 1972.
تسلم بروفيسور عبد الرحمن النصري حمزة أمين مكتبة جامعة الخرطوم آنئذ بمساعدة طاقم مساعديه من موظفي المكتبة وعلى رأسهم قاسم عثمان نور (دكتور وبروفيسور لاحقاً). وأفرد لهذه المقتنيات قسماً في المكتبة سمي (مكتبة التجاني الماحي) بجوار (مكتبة الشنقيطي) في الطابق الأرضي من مبنى المكتبة افتتح في 8 يناير 1973.
بعد وفاة الدكتور التجاني الماحي ، هالني الفراغ الفكري الذي تركه وأزعجتني قلة المادة التي نشرها بالمقارنة بما كتبه وتحدث فيه. فقد كان المتاح للقراء والباحثين عن التجاني الماحي قليلاً، فوطدت العزم على جمع وتحقيق أعمال ذلك المفكر ونشرها.
أتاح لي بروفيسور عبد الرحمن النصري مجموعة كبيرة من ملفات التجاني الماحي التي تسلمها ضمن ما تسلم من مقتنيات من عائلة التجاني. حوت تلك المجموعة التقارير الرسمية التي كتبها في رحلاته الميدانية في دول المنطقة إبان عمله مستشاراً للصحة العقلية في مكتب منظمة الصحة العالمية في الإسكندرية (1959-1964)، كما حوت قصاصات بعض المقالات التي نشرها في الجرائد السودانية، ومسودات بعض المقالات التي كان ينوي أن ينشرها. لكن أهم تلك الملفات هي التي احتوت على مسودات دراساته التي لم ينشرها عن الزار في السودان.
سعدت بصحبة تلك الوثائق وعكفت على دراستها وتحقيقها في الفترة من 1970 إلى 1980. خلال تلك الفترة كان بروفيسور النصري قريباً من ذلك النشاط وكان له دوراً مهماً في نشر تلك الأعمال حين اكتمل تحقيقها. فقد عمل بحكم عضويته في مجلس إدارة دار جامعة الخرطوم للنشر وبمعاونة الراحل الأستاذ على المك مدير الدار آنذاك على طباعة ما تيسر لي جمعه وتحقيقه من أعمال في كتابين على نفقة مطبعة جامعة الخرطوم. صدر الكتاب الأول منها على شرف اليوبيل الفضي لجامعة الخرطوم (1956-1981) في 1982 والثاني في 1984. وبعد أكثر من ربع قرن نشرنا أعماله عن الزار في كتابنا (الزار والطمبرة في السودان) في 2005.
نبهنا، ومعنا بروفيسور قاسم عثمان نور وبروفيسور طه بعشر وعائلة التجاني الماحي وغيرنا من أحباء التجاني الماحي، نبهنا جامعة الخرطوم عدة مرات خلال العقود الأربعة الأخيرة لتنتبه لرعاية مكتبة التجاني الماحي التي أصبحت (وما زالت) بفضلها مكتبة جامعة الخرطوم أغنى مكتبات العالم بالمخطوطات الإسلامية والعربية النادرة.
أما بروفيسور قاسم عثمان نور (1938-) فعالم حجة في عالم الكتب والمكتبات في السودان، بل هو شيخ علماء المكتبات السودانيين المحدثين دون منازع. هذا إذا حفظنا لبروفيسور عبد الرحمن النصري حمزة مكانته السامقة كأب علوم المكتبات ورائدها في السودان. تتلمذ بروفيسور قاسم على يدي عبد الرحمن النصري حمزة، وعمل معه في مكتبة جامعة الخرطوم منذ 1962. وتابع بفضله وبنفس طويل وجهد ومثابرة يحسد عليها رحلته مع المكتبات وعلومها في السودان. فبروفيسور قاسم بحق هو خير من يوثق لحياة وأعمال بروفيسور النصري، ولم يقصر في ذلك.
الجهود التي بذلها بروفيسور عبد الرحمن النصري حمزة وقاسم عثمان نور في صحبة الكتب والمكتبات عظيمة، وسيحفظ التاريخ لهما عنايتهما بتوثيق التراث الفكري في السودان في أروقة مكتبة جامعة الخرطوم ومكتبة السودان أو خارجها.


Comments

Popular posts from this blog

آل الحكيم

طه أحمد بعشر(مؤسس خدمات الطب النفسي في السودان)

باتريك دارسي (مؤسس أول كلية صيدلة في السودان)