دايات الحلة ودايات الحبل


Village midwife in business
عرفت الدايات الشعبيات في السودان بـ (دايات الحبل) إشارة للطريقة التي يساعدن بها النساء في الولادة. وصف التونسي في (تشحيذ الأذهان) عملية ولادة المرأة في دارفور وصفاً بسيطاً وصحيحاً يصدق على وصف الولادة في كل أرياف السودان المسلم، قال:
"كيفية الولادة عندهم أنه إذا أخذ المرأة الطلق أتاها بعض العجائز من النساء، وربطوا لها حبلاً في سقف البيت فتمسكه وهي واقفة، وتعتمد عليه كلما اشتد بها الوجع، وتفرج بين رجليها حتى يسقط المولود، فتتلقاه إحدى النساء الحاضرات، وتقطع سرته وتضجع باقي النساء النفساء على فراشها".
قامت المؤسسة الطبية السودانية منذ 1935 حتى منتصف الستينات من القرن العشرين بتدريب واستيعاب أغلب (دايات الحبل) ليصبحن دايات قانونيات تحمل كل واحدة منهن صندوقاً فيه (عِدة الشُغُل) وهو بمثابة الشهادة والرخصة التي تؤكد بها تخرجها في مدرسة القابلات.
وصف صبحي الحكيم تجربة السودان في تدريب قابلات القرية التي بدأت في 1920، ودور (دايات الحبل) في مساعدة النساء في الولادة ودورهن ضمن المعالجين الشعبيين السودانيين. أفرد حسن بلة الأمين كتاباً لوصف هذا البرنامج راجع فيه قدراً كبيراً من المصادر الأولية والوثائق التي ترى النور لأول مرة، وقابل عدداً كبيراً من الرواد على رأسهم مس ميبل ولف (Miss Mabel Wolff) مؤسسة البرنامج وأول عميدة لمدرسة الدايات، وست بتول محمد عيسى (أول امرأة ركبت عجلة أثناء العمل في السودان) وأول من التحق بالمدرسة في أم درمان وأول من أدارها من السودانيات، ومعها ست الدون في مدني. أورد حسن بلة الأمين طريقة ثانية للولادة الشعبية فقال:
"أما الطريقة الأخرى للتوليد فيقال أنها منتشرة أكثر عند القبائل الرحل. في هذه الطريقة تحفر حفرة لاستقبال الدم ومخلفات الولادة. وتضع المرأة في حالة الولادة حجراً أو مقعداً صغيراً (بنبر) تحت عجزها على طرف الحفرة، بينما تسند نفسها على راحة يدها (باطن الكف) عندما تنحني إلى الخلف. أمام هذه المرأة تجلس الداية التي تولدها بالجس وليس بالنظر."
الدايات البلديات، إذن، يساعدن النساء في الولادة ويقمن في سابق الأوان بختان البنات وإجراء عمليات (التسهيم) و(العدل)، وينصحن النساء في أمراضهن. لم تملك الداية معرفة ذات بال بمسك الأوردة والشرايين النازفة، ولم تكن في جعبتها أدوية تساعد بها عضلة الرحم في أن تتقلص وتطرد ما بداخلها من بقايا مشيمة ودم. رغم هذا القصور في وسائل العلاج، إلا أن الدايات عرفن حقائق هامة تتعلق بالمشيمة حين قلن أن (اللحمة بتشيل المَرَة) مؤكدات بذلك حقيقة علمية وهي أن بقايا المشيمة التي لم يتخلص منها الجسم تسبب نزيفاً متصلاً ثم التهابات وتسمم للدم ووفاة المرأة في أغلب الأحوال، وأهم من كل ذلك عرفن بعض الحقائق عن أطوار سير الولادة ومتى يتدخلن للمساعدة ومد يد العون.


Comments

Popular posts from this blog

آل الحكيم

طه أحمد بعشر(مؤسس خدمات الطب النفسي في السودان)

باتريك دارسي (مؤسس أول كلية صيدلة في السودان)