كلمني بى لغة أفهما
استحدثت مهنة الطب نمطاً من المعارف والمهارات عرف بأدب الحكي الطبي (Narrative medicine) وطلبت من الأطباء أن يتقنوه. يركز هذا النمط الجديد (القديم) على تجويد مهارات التواصل بين الطبيب والمريض، ويبحث عن الطرق التي تساعد الطبيب على فهم قصة المريض التي يحكيها له، وينمي مهاراته في التواصل مع الآخرين عبر دراسات أدبية تنمي فيه قدرات الاستماع والاستيعاب لقصص المرضى التي يروونها بالكلمات والقفشات والحركات والصور وبأعراض يحكونها، وعلامات للمرض يصورونها بأوصاف حسية ونفسية وبإيماءات مختلفة تتخللها فترات صمت تطول أو تقصر. وقصص بعض المرضى قد تكون شديدة التعقيد والطول خصوصاً عندما تتعلق بوصف الألم والمعاناة والقلق والخوف. فكل مقابلة يجريها الطبيب مع مرضاه قطعة أدبية في فن الحكي، عليه أن يعتني بكتابتها وينظر في خيوطها الأساسية وفي حبكتها وفي بداياتها ونهاياتها. تساعد هذه المهارات الفنية واللغوية الطبيب على فهم الخيط الأساسي في قصة المريض، وتحثه على تتبع أحداثها وفك طلاسمها وفهم ما تحمل من أوصاف وتشبيهات ليصل إلى فهم شكوى المريض بطريقة أفضل. يصدق هذا على كل المرضى، لكن يصدق أكثر ما يصدق عند استجواب المرضى النفسانيين الذين قد يغلفون شكواهم ويحومون حولها ويدورون. الإصغاء الحميم يجعل الطبيب أكثر قرباً من مرضاه وأكثر فهماً لشكواهم وتعاطفاً مع محنتهم مهما كان نوعها أو حجمها. لا نحتاج بالضرورة أن نتبنى هذا الأسلوب بتفاصيله، لكنه يبقى تطوراً مهنياً لا يمكن تجاهله، فقد بلور في عمومياته ميزات الأطباء الجيدين ووضع كل خبرة المهنة في فن التواصل في نسق واحد. مهما يكن من أمر، تظل لغة التخاطب هي الوسيلة الاساسية في التواصل بين الطبيب ومريضه.
Comments