فيل ساتي الأبيض
ورد
تعبير (الفيل الأبيض) أول مرة في السودان في وصف مبنى (المعمل القومي الصحي) في
الخرطوم الذي اقترحه وأشرف على بنائه دكتور محمد حمد ساتي وآخرون في منتصف ستينيات
القرن المنصرم. فقد اعتقد المرجفون آنئذ أن لا فائدة ترجى من ذلك المبنى تماماً
مثلما لا يرجى نفعاً من الفيل الأبيض. وكانت الإشارة هنا للفيل الأبيض الأسطوري في
ميثولوجيا جنوب شرق آسيا الذي كان بين أهله نعمة ونقمة في آن واحد. نعمة لأنه مقدس
ولا يقدح أحد منهم في ذلك، ولأنه كذلك فلا فائدة عملية ترجى منه، فهو كبير بلا نفع
ولا يمكن تسخيره لأي عمل، وهذه نقمة! برهن الزمن أن المرجفين مخطئون ومحمد حمد
ساتي ورفاقه محقون.
تعج
البلاد الآن بأفيال بيضاء لا حصر لها يحق عليها اللفظ ويتضاءل أمامها فيل ساتي.
فقد شيدت الحكومة خلال الثلاثين سنة من عمر (الإنقاذ) مستشفيات فاخرة بتكاليف
باهظة في مناطق لا تحتاج إليها، وجهزتها بمعدات متطورة لا يوجد الأطباء الذين يمكن
أن يستفيدوا منها أو المهندسين القادرين على صيانتها والعناية بها. واستجلبت في
السنوات العشرين الأخيرة معدات بمئات الملايين من الدولارات لتحسين الخدمات الطبية
فتفرقت هذه المعدات هنا وهناك دون ضابط ودون أن تحدث أثراً يذكر. ما أكتفت الحكومة
بهذه الفوضى بل سعت لتشييد مدينة طبية كاملة أو غابة من الأفيال البيضاء من كل
حجم!! بالطبع، أثارت مثل هذه التوجهات عدة تساؤلات مشروعة عن أولويات الدولة
ورؤاها ومكان الإنسان في خططها ومشاريعها.
Comments