الفكي أبو نافورة
اكتسبت بعض الآبار والحفائر شهرة لما
أشيع حول مائها من بركة اكسبتها خواص علاجية ناجعة. من تلك الآبار بئر منطقة
القرية في مسجد ومجمع الشيخ محمد الحبيب غرب أم درمان وبئر الفكي أبو نافورة في
قرية عد الطين في ضواحي مدينة القضارف. فما أشيع من بركة في تلك الآبار جعل الناس
تتقاطر عليهما من أماكن بعيدة من السودان، ولم يتبينوا خطأ معلوماتهم إلا بعد فوات
الأوان.[i]
ظهرت قصة الفكي أبو نافورة في قرية عد الطين لتعطي درساً قاسياً
في طب المجتمع واجتماعيات وأنثروبولوجيا الصحة.[ii]
ففي 1967، قامت الحكومة السودانية بحفر مئات الآبار الجوفية والارتوازية في عدة
مناطق من السودان ضمن مشروع محاربة العطش. أثناء حفر واحدة في قرية عد الطين في
منطقة القضارف، اندفعت المياه من طبقة وسطى من أرض البئر بشدة كالنافورة إلى
السماء، باندفاع جعل كل العاملين يهربون بأرواحهم.
خلال يومين تكونت بحيرة جيرية عريضة،
وعند تحليل عينة من مائها، اتضح أنها ليست صالحة للشرب وشديدة القلوية وبها نسبة
عالية من السلفات. ترك المسئولون الماء يتدفق عدة أيام عل طعمه يتغير وتقل قلويته
ومحتوياته من الأملاح، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث.
في هذا الأثناء، كانت أخبار البئر
(المبروكة) قد عمت البلاد وانتشرت أخبار الفكي أبو نافورة الذي (تبين) أي ظهر في عد الطين، وأن
برَكَة الشيخ ومياه البئر تعالج كل الأمراض، فقدم المرضى والمشوهون والمعاقون من
كل حدب وصوب (الأعمى شايل المكسر). خلال شهرين، ارتفع عدد سكان المنطقة من بضع
آلاف إلى ثلاثين ألفاً، وأصبحت المنطقة على صغرها وقلة مواردها وضعف خدماتها
الصحية محجة لكل من يطلب الشفاء من مرض من الأمراض التي عجز الطب عن علاجها. كان
المرضى يشربون من مياه البركة الراكدة ويتمسحون بها ويستحمون بمائها، والبعض
الآخر يرجع بقوارير وصفائح ملآى بمائها تماماً كما يفعل الحجيج بماء زمزم.
اجتمعت في تلك المنطقة كل العوامل
التي تجعل من عد الطين بؤرة لنزلة معوية حادة وانتشرت العدوى منها عبر خطوط الحجيج
إلى مدني والخرطوم والأبيض. أصيب بالمرض الذي تسبب فيه ما عرف حينذاك بـ (Heiberg type 1 NAG vibrio) بضع اّلاف وأكثر من ثلاثين حالة وفاة. لم
تتم السيطرة على ذلك الوباء المتسارع إلا بتفريغ المنطقة من المريدين بمساعدة
الجيش وباستعمال كميات كبيرة من عقار التتراسايكلين وأكثر من 22 ألف جرعة تطعيم.
Comments