ما وراء مدحة مصر المؤمنة للبرعي
عندما لجأ الإنسان لحضن الطبيعة الأم
واستأنس بعناصرها، كان أيضاً يستغيث بكل عزيز وغال ويتضرع لكل القوى العليا
لمساعدته في كل ما لم يحط به علماً. فكان ولاء الناس وهم يتعالجون في أحدث المستشفيات لقوى غير قوى هذه المؤسسات
الدنيوية وفي إرادة غير إرادة العاملين فيها. تضرع الناس في كل مرة إلى الله ولكل
القوى التي اعتقدوا فيها راجين الشفاء السريع من أمراضهم، وتحريرهم من الضر الذي أصابهم.
في اعتقادهم الراسخ أن وساطة الولي شيخاً أو فقيراً أو (فكي) لها قدسية ولشفاعته استجابة
عند الله. في ملحمة الشيخ عبد الرحيم محمد وقيع الله (البرعي
الشعرية (مصر المأمنة)
خلاصة هذه العقيدة المركبة، بل لا تفهم هذه الملحمة فهماً صحيحاً إلا من هذه الزاوية.
عرف الشيخ أهمية الطب البيولوجي لكنه آمن أيضاً إيماناً راسخاً بأن إرادة الخالق
فوق كل شيء وأن الإنسان دائم الشعور بنقصه وقصوره وحاجته لسند إلهي ودعم يسدد خطى الطبيب
ويهديه في سعيه. ليتحقق ذلك السند، لا يملك الإنسان غير التوسل والدعاء، وهذا ما فعله
ولي الله العارف الشيخ البرعي.
درس الشيخ البرعي في خلاوي السودان وتتلمذ
على مشايخ عصره، وقرأ كل ما يقرؤه الشيوخ من أمهات كتب الدين والفقه والطب النبوي ومارس العلاج
الشعبي كما مارسه الشيوخ الآخرين. مرض كما يمرض كل الناس، فلجأ للمستشفى عندما شعر
بأن مرضه يحتاج لتدخل الأطباء. فأخذ بكل أسباب العلاج المتاحة لكنه كان أيضاً مؤمناً
بأن التضرع لله والتوسل إليه مباشرة أو عن طريق أوليائه قد يرفع عنه الضر وينقذه من
مبضع الجراح الذي تقرر له.
سافر البرعي إلى مصر في خياله وهو
على سرير المرض في ملحمة شعرية رائعة. زار أولياءها وتوسل بهم ظاعناً وراجلاً. خلال
تلك الرحلة، لم ينس دوره كمربي فنهى أتباعه عن طاعة إبليس وعن مجاراة النفس الأمارة
بالسوء والجري وراء عرض الدنيا الزائل والنفس الخائنة التي تخضع للإغراء ولا تنفك تدعو
الإنسان للشر. توسل الشيخ البرعي بكل أولياء الله في مصر من النساء قائلاً:
أدعوك بهن
إصلاح ذريتي
نفسي وأحبابي
مع سائر إخوتي
زيل مرضي
وعسري وأكشف لبلوتي
عافي لجوارحي
بل فرج كربتي
ثم دعا الله بكل أولياء مصر من
الرجال، وتوسل
(بالبيت) و(بالروضة)، ودعا الله بالقرآن وبسوره المائة وأربعة عشر وبالملائكة العشرة
الواجبة معرفتهم، توسل لله بنبيه وبخلفائه العشرة وبالأئمة الأربعة وبأقطاب الصوفية
وأوتادها الأربعة ونقبائها السبعة وأبدالها الثلاثمائة أن يرفع عنه هم المرض الذي أصابه.
وتقول يا برعي
لهمومك أطرحا
أكملت علاجك
غير حقنة ومشرحة
ومواصلاتك في
السكة مسرحة
بالعافية
أفرحا ولبلادك أمرحا
توسل الشيخ لله بكل ما يتوسل به عبد مسلم
طالباً منه أن يشفيه من علته:
زيل مرض الجسم
في طبايعو الأربعة
وبارك أسبوعنا
لى يوم الأربعا
قيل أنه قد تقررت للشيخ عملية جراحية
في يوم الأربعاء، لكن الجراح قرر ألا يجري تلك العملية وسرح الشيخ! إن صحت هذه
الرواية أو لم تصح اكتسبت كل عناصر الأسطورة فعلقت في الأذهان وتداولتها الألسن
والمجالس بروايات مختلفة.
Comments