الصرع وحسن ود حسونة
قصة علاج الصرع أو (الغُزيل) قصة لطيفة
تستحق أن تروى لما تحمل من معاني دقيقة وتداعيات هامة. كان السودانيون عامة موضوعيين
في تشخيص المرض وذلك في حدود معرفتهم. ذكر ود ضيف الله في الطبقات مقدرة الشيخ حسن ود حسونة في علاج الصرع. قال إن ناصر أخ الملك بادى أبو
رباط أصيب بالصرع وإن نوباته أعيته إعياء شديداً،
فطلب الملك من الشيخ حسن ود حسونة أن يعالج أخاه، فتم له ذلك.
اختص الشيخ حسن ود حسونة من دون كل الأولياء والصالحين في السودان بعلاج
الصرع، وطفقت سيرته الآفاق حتى أصبح مسيده من بعده قبلة لهؤلاء المرضى من كل أرجاء
البلاد بل وخارجها كما يقول مريدوه. لم كان ذلك؟ اعتقد الناس اعتقاداً جازماً أن
الصرع مس من الجن تحمله الغزلان وتنقله للإنسان ولذا سمي (الغزيل).
ينتقل المرض من المصروع (خصوصاً عندما يكون في نوبة تشنج) لكل من يلمسه
فيعديه، لكن ينتقل المرض من المصروع ليس للامس بل لذريته من بعده. بالتالي، خاف
الناس من المصروع ومن الاقتراب منه خوفاً شديداً. لكن الشيخ حسن ود حسونة لم يخف ولم يخش المصروعين ولم يأبه بالعدوى
المؤكدة في ظنهم لأنه كان عاقراً (وكذلك كان أخويه وكانت أخته فاطمة). تخصص
بالتالي مسيد الشيخ حسن ود حسونة عبر الأربعمائة سنة الماضية في علاج الصرع وما زال.
عاق خوف السودانيين من مرضى الصرع من جهود مساعدتهم
وإسعافهم إذا احتاجوا لإسعاف. ليس ذلك فحسب، بل قاد الفهم الخاطئ لأسباب هذا المرض
وطبيعته ومباغتة النوبة التي تصيب الشخص دون إنذار، إلى عواقب اجتماعية واقتصادية
سيئة. وصم المجتمع هؤلاء المرضى بالعار، ورفض الناس أن يزوجوهم وطلقت بعض النساء
أزواجها. أيضاً، رفض سوق العمل أن يوظفهم فضاقت بهم الحيلة وأصيب بعضهم بالقنوط
والاكتئاب. عندما سئل الخليفة محمد أحد خلفاء مسيد حسن ود حسونة عن الصرع، وعن أسبابه وطرق تشخيصه وعلاجه، وكان
ذلك في بحث ميداني في العام 2011، قال:
"الصرعة مرض يجري في الدم ويمسك
(وريد الرقبة) وسببه من الأخلاط،
والصرع المن الجن مختلف من حقنا، وأعراض الصرع عندنا يكون في صداع وإغما، أحياناً يمكن يتبول المريض في ملابسه دون
وعي ويكون المريض عنده قلق شديد." [i] وعن كيفية تشخيص
المرض، قال: "المريض عارف إنه ود حسونة بعالج الصرع ويشتكي للشيخ من إنه عنده الصرعة أو
"الوقعة" وأعراضها ظاهرة ومعروفة للمريض ولأي زول."
قال أيضاً:
"علاج ود حسونة معروف وهو أننا نمنع المريض من أكل أي شيء بعد
حضوره إلينا، فقط نديه أكل ماسخ "عصيدة بموية" ونمنعه من شرب السكر وأكل
الملح لمدة سبعة جمع فترة العلاج الشافية، ولازم يترك أي نوع من الدوا. قبل شروق
الشمس وغروبا، يذهب المرضى للقبة وندعو ليهم بالشفا ويتبركوا من الضريح وبعد ما
يتم المريض فترة العلاج يحرق الملابس القديمة ويكون دمه بقى جديد وللوقاية نكتب
ليه حجاب ويشفى بإذن الله وكل الذين جاءوا للعلاج اتعالجوا".
تلخصت وصفة علاج الصرع في مسيد ود
حسونة في تنويم المريض مع مرضى آخرين وتجويعه فترة 40
يوماً أو زيادة لا يسمح له أثناءها إلا بأكل (الماسخة) أو (الكسرة بالموية)
وحرمانه من كل أنواع الزلاليات والسكريات وإن توفرت. يمنعون المريض من تعاطي أي
دواء من الأدوية التي وصفها له الأطباء، وهذا شرط واجب لبداية تنقية الجسم من السموم قبل بدء العلاج
حسب اعتقادهم. يؤكد الشيوخ في المسيد هذا المنع بقولهم إن أدوية الأطباء
تسبب (ضربة القلب) و(الزهج) و(الرجفة). ولتعزيز نظامهم في العلاج، يروج المريدون
لقدرات الشيخ حسن ود حسونة بقولهم إن "النظرة ليه بتشفي"
و"كل من زار ود حسونة نجا" و"الزارنا ما خاب" وما إلى ذلك من
ألفاظ المديح والترويج. في بداية العلاج، يفترش المريض الأرض ولا يستحم لمدة
أسبوع، في هذه الفترة يحاولون إحداث نوبة صرع باستفزاز الجسم بالبخور، فإذا حدثت
نوبة يعلنون أنها ستكون آخر واحدة. بالطبع، قد يترتب على كل ذلك مضاعفات جسدية
ونفسية عديدة.
[i] هويدا
بشير طه. الصرع وعلاجه الروحي في مسيد حسن ود حسونة. رسالة مقدمة لأكاديمية السودان
للعلوم لنيل درجة الماجستير في الأنثروبولوجيا الطبية. 2011.
Comments