عوض رحمة طبيب الرعاف

في العاشرة من عمري، بدأت أرعف من فتحة أنفي اليسرى دون الأخرى كلما حل فصل الصيف. اعتدت على ذلك الزائر كما اعتاد عليه أهلي وتوقعناه كلما اشتد الحر. لم يخيفنا أيضاً، فقد عزاه أهلي لحرارة الجو ولم يطلبوا بالتالي له دواء ولم يقصدوا بي مستشفى بل اكتفوا بضغط أنفي وغسل رأسي بالماء البارد حتى يتوقف النزيف. في يوم غائظ، أصابتني نوبة من نوبات الرعاف المعتادة وكان أبي في طريقه للسوق فاصطحبني وغشي بي صديقه الشيخ عوض رحمة الذي كان (مكوجياً) في سوق الدويم. اشتهر عوض رحمة بوصفته التي تعالج الرعاف كما اشتهر أيضاً بأنه أجمل مادحي القادرية صوتاً. أقعدني الشيخ بجانب أكوام الملابس المعدة للكي ومسح جبيني بماء ثم كتب بعض آيات من القرآن بقلم الكوبيا[1] الذي يستعمله عادة المكوجية والترزية، ثم مسح ما كتب وطلب مني أن انطلق لمدرستي. فعلت، وكان ذلك اليوم آخر عهدي بالرعاف. علقت هذه الحادثة بذهني كما علقت أحداث شبيهة بأذهان أغلب الناس ولم يجدوا لها تفسيراً مناسباً أو معقولاً.


[1] قلم الكوبيا (copying pencil) يشبه قلم الرصاص لكن كتابته لا تمحى وتظهر كالحبر عندما تبل بالماء وتثبت بالتالي مع الغسيل. اختفى هذا النوع من الأقلام بظهور قلم الحبر الجاف.

Comments

Popular posts from this blog

آل الحكيم

طه أحمد بعشر(مؤسس خدمات الطب النفسي في السودان)

باتريك دارسي (مؤسس أول كلية صيدلة في السودان)