آل الحكيم
أودع دكتور صبحي الحكيم استشاري أمراض النساء والتوليد في دار الوثائق المركزية
بالخرطوم[1]
في العام 1976 مخطوطاً عرف بـ (مخطوط الحكيم) يخص الدكتور أحمد يوسف الصديق بن
الحسين الههياوي (1808-1893) جد عائلة الحكيم المعروفة في
السودان، وأودع في المتحف التصويري بالخرطوم الآلات الجراحية التي استعملها في
مستشفيات بربر ودنقلا في الفترة التالية للعام 1840 مع ترجمة قصيرة له.
ولد دكتور أحمد
ببلدة ههيا من أعمال الشرقية بمصر وتخرج ضمن الدفعة الثانية في مدرسة طب أبو زعبل.
تخصص في الجراحة في جامعة السوربون في باريس في فرنسا، ثم التحق بعد ذلك بالجيش المصري ثم دخل السودان ضابطاً
برتبة بكباشي في الجيش المصري التركي وذلك في العام 1839. عين حكيمباشياً ثم
مديراً طبياً لمديريتي دنقلا وبربر حيث استقر هناك ومارس الطب حتى عهد الخليفة عبد
الله وتوفي في العام 1893 في بربر ودفن فيها. أنشأ الحكيم اسبتالية بربر في
المخيرف (بربر القديمة) في العام 1840، ومارس فيها أنواعاً عديدة من الجراحة منها
إزالة حصوات المثانة والحوالب وبتر
الأطراف وإزالة الأورام والأضراس.[2]
اعتقد دكتور صبحي الحكيم أن ذلك المخطوط يلقي ضوءاً على جوانب هامة من تاريخ
الطب في السودان، وكان محقاً في ذلك. عندما اطلعنا على ذلك المخطوط اتضح لنا أنه مختصر
(الرحمة في الطب والحكمة) لجلال
الدين السيوطي[3]
مع حذف كامل للرقى والتعاويذ والطلسمات. لم يفت على دكتور الههياوي أن يذكر اسم
الكتاب وإن لم يذكر اسم المؤلف، ولعل ذلك لشهرة الكتاب؛ وهنا
تكمن أهمية المخطوط في رأينا. فقد عرف جلال الدين السيوطي وعرفت كتبه منذ أيام
السلطنة الزرقاء. قال ود ضيف الله في مقدمة الطبقات:
"فاهتديت بجماعة من المحدثين
والفقهاء والمؤرخين فإنهم ألفوا في التاريخ والمناقب كالإمام عبد النافر لفارسي في
(تاريخ نيسابور)
والإمام الجلال السيوطي في كتاب (حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة)
والحافظ بن حجر ... والشيخ أحمد المقري (التلمساني).
يمكننا أيضاً أن نتعرف على نوع الطب
الذي كان يدرس في مدرسة طب أبو زعبل، وبالتالي نوع الطب الذي دخل السودان على عهد
محمد على وكان ممارساً آنذاك، إذا ألقينا نظرة على مقررات تلك المدرسة. فالكتاب
العمدة الذي كان يدرس فيها حتى مطلع القرن العشرين كان كتاب (كنوز الصحة ويواقيت
المنحة)[4]
الذي ألفه كلوت بيه وترجمه للعربية محمد الشافعي ومحمد بن عمر التونسي وغيرهما وظهر في عدة
طبعات. اعتمد كلوت بيه في تأليف هذا الكتاب اعتماداً كاملاً على تعاليم أبقراط.
[2] تخرج دكتور
سيد الحكيم، الأخ الذي يصغر دكتور أحمد بأربعة سنوات، في مدرسة طب أبو زعبل أيضاً وتخصص
في السوربون ثم قدم السودان ضابطاً في الجيش التركي مع أخيه أحمد ليعمل مديراً
طبياً لمستشفى كسلا التي عمل ومات ودفن فيها في سن باكرة في العام 1863.
[3] جلال الدين السيوطي هو الإمام أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال أبي
بكر جلال الدين السيوطي (أو) الأسيوطي الخضري (أو) الخضري الشافعي. ولد بالقاهرة
وبها نشأ وسافر كثيراً في طلب العلم. يقول السيوطي في ترجمته لنفسه في كتابه (حسن
المحاضرة) إن مؤلفاته بلغت الثلاثمائة سوى ما غسله ورجع فيه. في (كشف الظنون) ينسب
كتاب (الرحمة في الطب والحكمة) إلى الشيخ مهدي بن على بن إبراهيم
العنبري اليمني المهجر المقري المتوفي في العام 814 هـ.
[4] أ.
ب. كلوت. بواكير الطب الحديث. كنوز الصحة ويواقيت المنحة. دراسة وتحقيق أميمة فؤاد زهر
الدين. شرح وتعليق يوسف معروف زهر الدين. دار الفارابي، بيروت. 2006: 348 صفحة.
Comments